سورة الأحزاب - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)}
{مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ} أخرج أحمد. والترمذي وحسنه. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه. وابن مردويه. والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترى أن له قلبين قلبًا معكم وقلبًا معهم فنزلت، وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فأكثروا فقالوا: إن له قلبين ألم تسمعوا إلى قوله وكلامه في الصلاة إن له قلبًا معكم وقلبًا مع أصحابه فنزلت، وقال مقاتل في تفسيره. وإسماعيل بن أبي زياد الشامي. وغيرهما: نزلت في أبي معمر الفهري كان أهل مكة يقولون: له قلبان من قوة حفظه وكانت العرب تزعم أن كل لبيب أريب له قلبان حقيقة، وأبو معمر هذا أشتهر بين أهل مكة بذي القلبين وهو على ما في الإصابة جميل بن أسيد مصغر الأسد، وقيل: ابن أسد مكبرًا وسماه ابن دريد عبد الله بن وهب، وقيل: إن ذا القلبين هو جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة ابن جمح الجمحي وهو المعنى بقوله: وكيف ثوائى البيت وقد تقدم في تفسير سورة لقمان، والمعول على ما في الإصابة، وحكى أنه كان يقول: إن لي قلبين أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد صلى الله عليه وسلم فروي أنه انهزم يوم بدر فمر بأبي سفيان وهو معلق احدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له أبو سفيان: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما في رجلي فأكذب الله تعالى قوله وقولهم.
وعن الحسن أنه كان جماعة يقول الواحد منهم: نفس تأمرني ونفس تنهاني فنزلت، والجعل عنى الخلق ومن سيف خطيب، والمراد ما خلق سبحانه لأحد أو لذي قلب من الحيوان مطلقًا قلبين فخصوص الرجل ليس قصود وتخصيصه بالذكر لكمال لزوم الحياة فيه فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث، وأما الصبيان فمآلهم إلى الرجولية، وقوله سبحانه: {فِى جَوْفِهِ} للتأكيد والتصوير كالقلوب في قوله تعالى: {ولكن تعمى القلوب التى فِى الصدور} [الحج: 46] وذكر في بيان عدم جعله تعالى قلبين في جوف بناء على ما هو الظاهر من أن المراد بالقلب المضغة الصنوبرية أن النفس الناطقة وكذا الحيوانية لابد لها من متعلق ومتعلقها هو الروح وهو جسم لطيف بخاري يتكون من ألطف أجزاء الأغذية لأن شد الأعصاب يبطل قوى الحس والحركة عما وراء موضع الشد مما لا يلي جهة الدماغ والشد لا يمنع إلا نفوذ الأجسام، والتجارب الطبية أيضًا شاهدة بذلك، وحيث أن النفس واحدة فلابد من عضو واحد يكون تعلقها به أو لإثم بسائر الأعضاء بواسطته.
وقد ذكر غير واحد أن أول عضو يخلق هو القلب فإنه المجمع للروح فيجب أن يكون التعلق أولًا به ثم بواسطته بالدماغ والكبد وبسائر الأعضاء فمنبع القوى بأسرها منه وذلك يمنع التعدد إذ لو تعدد بأن كان هناك قلبان لزم أن يكون كل منهما أصلًا للقوى وغير أصل لها أو توارد علتين على معلول واحد، ولا يخفى على من له قلب أن هذا مع ابتنائه على مقدمات لا تكاد تثبت عند أكثر الإسلامين من السلف الصالح والخفل المتأخرين ولو بشق الأنفس أمر اقناعي لا برهان قطعي، على أن للفلسفي أيضًا له فيه مقالًا، وقد يفسر القلب بالنفس بناء على أن سبب النزول ما روى عن الحسن إطلاقًا للمعلق على المتعلق وقد بينوا وحدة النفس وأنه لا يجوز أن تتعلق نفسان فأكثر ببدن بما يطول ذكره، وللبحث فيه مجال فليراجع، ثم إن هذا التفسير بناء على أن سبب النزول ما ذكر غير متعين بل يجوز تفسير القلب عليه بما هو الظاهر المتبادر أيضًا، وحيث أن القلب متعلق النفس يكون نفي جعل القلبين دالًا على نفي النفسين فتدبر.
{وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائى تظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتكم} إبطال لما كان في الجاهلية من أجزاء أحكام الأمومة على المظاهر منها، والظاهر لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر ويستعمل في معان مختلفة راجعة إليه معنى ولفظًا بحسب اختلاف الأغراض فيقال ظاهرته إذا قابلت ظهرك بظهره حقيقة وكذا إذا غايظته باعتبا رأن المغايظة تقتضي هذه المقابلة، وظاهرته إذا نصرته باعتبار أنه يقال: قوى ظهره إذا نصره وظاهرت بين ثوبين إذا لبست أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل ما يلي بك كل منهما الآخر ظهرًا للثوب، ويقال: ظاهر من زوجته إذ قال لها أنت علي كظهر أمي نظير لبي إذ قال لبيك وأفف إذ قال أف، وكون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازًا لا يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازًا أيضًا والمراد منه هنا المعنى الأخير، وكان ذلك طلاقًا منهم.
وإنما عدي ن مع أنه يتعدى بنفسه لتضمنه معنى التباعد ونحوه مما فيه معنى المجانبة ويتعدى ن، والظهر في ذلك مجاز على ما قيل عن البطن لأنه إنما يركب البطن فقوله: كظهر أمي عنى كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه عموده، قال ابن الهمام: لكن لا يظهر ما هو الصارف عن الحقيقة من النكات، وقال الأزهري معناه: خصوا الظهر لأنه محل الركوب والمرأة تركب إذا غشيت فهو كناية تلويحية انتقل من الظهر إلى المركوب ومنه إلى المغشي، والمعنى أنت محرمة على لا تركبين كما لا يركب ظهر الأم وقيل: خص الظهر لأن إتيان المرأة من ظهرها في قبلها كان حرامًا عندهم فإتيان أمه من ظهرها أحرم فكثر التغليظ، وقيل: كنوا بالظهر عن البطن لأنهم يستقبحون ذكر الفرج وما يقرب منه سيما في الأم وما شبه بها، وليس بذاك، وهو في الشرع تشبيه الزوجة أو جزء منها شائع أو معبر به عن الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على التأبيد ولو برضاع أو صهرية وزاد في النهاية قيد الاتفاق ليخرج التشبيه بما لا يحل النظر إليه ممن اختلف في تحريمها كالبنت من الزنا وتحقيق الحق في ذلك في «فتح القدير»، وخص باسم الظهار تغليبًا للظهر لأنه كان الأصل في استعمالهم وشرطه في المرأة كونها زوجة وفي الرجل كونه من أهل الكفارة، وركنه اللفظ المشتمل على ذلك التشبيه، وحكمه حرمة الوطء ودواعيه إلى وجود الكفارة، وتمام الكلام فيه في كتب الفروع، وسيأتي إن شاء الله تعالى بعض ذلك في محله.
وقرأ قالون. وقنبل هنا وفي المجادلة والطلاق {اللاء} بالهمز من غير ياء، وورش بياء مختلسة الكسرة، والبزي. وأبو عمرو {اللاي} بياء ساكنة بدلًا من الهمزة وهو بدل مسموع لا مقيس وهي لغة قريش، وقرأ أهل الكوفة غير عاصم {ديارهم تظاهرون} بفتح التاء وتخفيف الظاء وأصله تتظاهرون فحذفت إحدى التاءين.
وقرأ ابن عامر {تظاهرون} بفتح التاء وتشديد الظاء وأصله كما تقدم إلا أنه أدغمت التاء الثانية في الظاء.
وقرأ الحسن {تُظْهِرُونَ} بضم التاء وفتح الظاء المخففة وشد الهاء المكسورة مضارع ظهر بتشديد الهاء عنى ظاهر كعقد عنى عاقد، وقرأ ابن وثاب فيما نقل ابن عطية {تُظْهِرُونَ} بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر، وقرأ هرون عن أبي عمرو و{تُظْهِرُونَ} بفتح التاء والهاء وسكون الظاء مضارع ظهر بتخفيف الهاء، وفي مصحف أبي {تتظهرون} بتاءين ومعنى الكل واحد.
{أمهاتكم وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} إبطال لما كان في الجاهلية أيضًا وصدر من الإسلام من أنه إذا تبنى الرجل ولد غيره أجريت أحكام البنوة عليه، وقد تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة زيد بن حارثة. والخطاب عامر بن ربيعة. وأبو حذيفة مولاه سالمًا إلى غير ذلك، وأخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر عن مجاهد أن قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ} الخ، نزلت في زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه. و{أدعياء} جمع دعى وهو الذي يدعى ابنًا فهو فعيل عنى مفعول وقياسه أن يجمع على فعلي كجريح وجرحى لا على أفعلاء فإن الجمع عليه قياس فعيل المعتل اللام عنى فاعل كتقي وأتقياء فكأنه شبه به في اللفظ فحمل عليه وجمع جمعه كما قالوا في أسير وقتيل أسراء وقتلاء، وقيل: إن هذا الجمع مقيس في المعتل مطلقًا، وفيه نظر.
{الاخر ذلكم} قيل: إشارة إلى ما يفهم من الجمل الثلاثة من أنه قد يكون قلبان في جوف والظهار والإدعاء.
وقيل: إلى ما يفهم من الأخيرتين، وقيل: إلى ما يفهم من الأخيرة {قَوْلُكُم بأفواهكم} فقط من غير أن يكون له مصداق وحقيقة في الواقع ونفس الأمر فإذن هو عزل عن القبول أو استتباع الأحكام كما زعمتم.
{والله يَقُولُ الحق} الثابت المحقق في نفس الأمر {وَهُوَ يَهْدِى السبيل} أي سبيل الحق فدعو قولكم وخذوا بقوله عز وجل.
وقرأ قتادة على ما في البحر {يَهْدِى} بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال، وفي الكشاف أنه قرأ {وَهُوَ الذى يَهْدِى السبيل}.


{ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)}
{ادعوهم لاِبَائِهِمْ} أي انسبوهم إليهم وخصوهم بهم، أخرج الشيخان. والترمذي. والنسائي. وغيرهم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادعوهم لاِبَائِهِمْ} إلخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت زيد بن حارثة بن شراحيل، وكان من أمره رضي الله تعالى عنه على ما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان في أخواله بني معن من بني ثعل من طي فأصيب في نهب من طي فقدم به سوق عكاظ وانطلق حكيم بن حزام بن خويلد إلى عكاظ يتسوق بها فأوصته عمته خديجة أو يبتاع لها غلامًا ظريفًا عربيًا إن قدر عليه فلما قدم وجد زيدًا يباع فيها فأعجبه ظرفه فابتاعه فقدم به عليها وقال لها: إني قد ابتعت لك غلامًا ظريفًا عربيًا فإن أعجبك فخذيه وإلا فدعيه فإنه قد أعجبني فلما رأته خديجة فأخذته فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عندها فأعجب النبي عليه الصلاة والسلام ظرفه فاستوهبه منها. فقالت أهبه لك فإن أردت عتقه فالولاء لي فأبى عليهما عليه الصلاة والسلام فأوهبته له إن شاء أعتق وإن شاء أملك قال: فشب عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنه خرج في إبل لأبي طالب بأرض الشام فمر بأرض قومه فعرفه عمه فقام إليه فقال: من أنت يا غلام؟ قال: غلام من أهل مكة قال: من أنفسهم؟ قال: لا قال: فحر أنت أم مملوك قال: بل مملوك قال: لمن؟ قال: لمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال له: أعرابي أنت أم عجمي؟ قال: عربي قال: ممن أصلك؟ قال: من كلب قال: من أي كلب؟ قال: من بني عبد ود قال: ويحك ابن من أنت؟ قال: ابن حارثة بن شراحيل قال: وأيت أصبت؟ قال: في أخوالي قال: ومن أخوالك؟ قال طي قال: ما اسم أمك؟ قال: سعدى فالتزمه وقال: ابن حارثة ودعا أباه فقال: يا حارثة هذا ابنك فأتاه حارثة فلما نظر إليه عرفه قال: كيف صنع مولاك إليك؟ قال: يؤثرني على أهله وولده فركب معه أبوه وعمه وأخوه حتى قدموا مكة فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له حارثة: يا محمد أنتم أهل حرم الله تعالى وجيرانه وعند بيته تفكون العاني وتطعمون الأسير ابني عندك فأمنن علينا وأحسنت إلينا في فدائه فإنك ابن سيد قومه وإنا سنرفع إليك في الفداء ما أحببت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيكم خيرًا من ذلك قالوا: وما هو؟ قال أخيره فإن اختاركم فخذوه بغير فداء وإن اختارني فكفوا عنه فقال: جزاك الله تعالى خيرًا فقد أحسنت فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا زيد أتعرف هؤلاء؟ قال: نعم هذا أبي وعمي وأخي فقال عليه الصلاة والسلام: فهم من قد عرفتهم فإن اخترتهم فاذهب معهم وإن اخترتني فأنا من تعلم قال له زيد: ما أنا ختار عليك أحدًا أبدًا أنت معي كان الوالد والعم قال أبوه وعمه: أيا زيد أتختار العبودية؟ قال: ما أنا فارق هذا الرجل فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصه عليه قال: اشهدوا أنه حر وأنه ابني يرثني وأرثه فطابت نفس أبيه وعمه لما رأوا من كرامته عليه الصلاة والسلام فلم يزل في الجاهلية يدعى زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادعوهم لاِبَائِهِمْ} فدعى زيد بن حارثة، وفي بعض الروايات أن أباه سمع أنه كة فأتاه هو وعمه وأخوه فكان ما كان {هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} تعليل للأمر والضمير لمصدر ادعوا كما في قوله تعالى: {اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى} [المائدة: 8]، و{أَقْسَطُ} أفعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقًا من القسط عنى العدل والمراد به البالغ في الصدق فاندفع ما يتوهم من أن المقام يقتضي ذلك الصدق لا العدل أي دعاؤكم إياهم لآبائهم بالغ في العدل والصدق وزائد فيه في حكم الله تعالى وقضائه عز وجل.
وجوز أن يكون أفعل على ما هو الشائع فيه، والمعنى أعدل مما قالوه ويكون جعله ذا عدل مع أنه زور لا عدل فيه أصلًا على سبيل التهكم {فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ} أي تعرفوا {ءابَاءهُمُ} فتنسبوهم إليهم {فَإِخوَانُكُمْ} أي فهم إخوانكم {فِى الدين ومواليكم} أي وأولياؤكم فيه فادعوهم بالأخوة والمولوية بتأويلهما بالأخوة والولاية في الدين، وبهذا المعنى قيل لسام بعد نزول الآية مولى حذيفة وكان قد تبناه قبل، وقيل: {مواليكم} أي بنو أعمامكم، وقيل: معتقوكم ومخروركم وكأن دعاءهم بذلك لتطييب قلوبهم ولذا لم يؤمر بدعائهم بأسمائهم فقط.
{ومواليكم وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} أي إثم {فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} أي فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل النهي.
{ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أي ولكن الجناح والإثم فيما تعمدتموه بعد النهي على أن {مَا} في محل الجر عطفًا على ما من {فِيمَا أَخْطَأْتُمْ} وتعقب بأن المعطوف المجرور لا يفصل بينه وبين ما عطف عليه، ولذا قال سيبويه في قولهم ما مثل عبد الله يقول ذلك ولا أخيه: إنه حذف المضاف من جهة المعطوف وأبقى المضاف إليه على إعرابه والأصل ولا مثل أخيه ليكون العطف على المرفوع. وأجيب بالفرق بين ما هنا والمثال وإن لا فصل فيه لأن المعطوف هو الموصول مع صلته أعني ما تعمدت على مثله أعني ما أخطأتم أو لوكن ما تعمدتم فيه الجناح على أن ما في موضع رفع على الابتداء وخبره جمل مقدرة، ونسبة التعمد إلى القلوب على حد السنبة في قوله تعالى: {فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283] وكون المراد في الأول قبل النهي وفي الثاني بعده أخرجه الفريابي. وابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد، وقيل: كلا الأمرين بعد النهي والخطأ مقابل العمد، والمعنى لا إثم عليكم إذ قلتم لولد غيركم يا بني على سبيل الخطأ وعدم التعمد كأن سهوتهم أو سبق لسانكم ولكن الإثم عليكم إذا قلتم ذلك متعمدين. وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: لو دعوت رجلًا لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس ولكن ما تعمدت وقصدت دعاءه لغير أبيه.
وجوز أن يراد بقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} إلخ العفو عن الخطأ دون العمد على طريق العموم لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لست أخاف عليكم الخطأ ولكن أخاف عليكم العمد» وحديث ابن عباس قال: «قال عليه الصلاة والسلام وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه» ثم تناول لعمومه خطأ التبني وعمده، والجملة على تقديري الخصوص والعموم واردة على سبيل الاعتراض التذييلي تأكيدًا لامتثال ما ندبوا إليه مع ادماج حكم مقصود في نفسه، وجعلها بعضهم عطفًا مؤولًا بجملة طلبية على معنى ادعوهم لآبائهم وهو أقسط لكم ولا تدعوهم لأنفسكم متعمدين فتاثموا على تقدير الخصوص وجملة مستطردة على تقدير العموم وتعقب بأنه تكلف عنه مندوحة، وظاهر الآية حرمة تعمد دعوة الإنسان لغير أبيه، ولعل ذلك فيما إذا كانت الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية، وأما إذا لم تكن كذلك كما يقول الكبير للصغير على سبيل التحنن والشفقة يا ابني وكثيرًا ما يقع ذلك فالظاهر عدم الحرمة.
وفي «حواشي الخفاجي» على تفسير البيضاوي النبوة وإن صح فيها التأويل كالأخوة لكن نهى عنها بالتشهبية بالكفرة والنهي للتنزيه انتهى، ولعله لم يرد بهذا النهي ما تدل عليه الآية المذكورة فإن ما تدل عليه نهي التحريم عن الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية، والأولى أن يقال في تعليل النهي: سدًا لباب التشبه بالكفرة بالكلية، وهذا الذي ذكره الخفاجي من كراهة قول الشخص لولد غيره يا ابني حكاه لي من ارتضيه عن فتاوي ابن حجر الكبرى، وحكم التبني بقوله: هو ابني إن كان عبدًا للقائل العتق على كل حال ولا يثبت نسبه منه إلا إذا كان مجهول النسب وكان بحيث يولد مثله لمثله ولم يقر قبله بنسب من غيره، وعند الشافعي لا عبر بالتنبي فلا يفيد العتق ولا ثبوت النسب، وتحقيق ذلك في موضعه، ثم الظاهر أنه لا فرق إذا لم يعرف الأب بين أن يقال يا أخي وأن يقال يا مولاي في أن كلًا منهما مباح مطلقًا حينئذ لكن صرح بعضهم بحرمة أن يقال للفاسق يا مولاي لخبر في ذلك، وقيل: لما أن فيه تعظيمه وهو حرام، ومقتضاه أن قول يا أخي إذا كان فيه تعظيم بأن كان من جليل الشأن حرام أيضًا، فلعل الدعاء لغير معروف الأب بما ذكر مخصوص بما إذا لم يكن فاسقًا ودليل التخصيص هو دليل حرمة تعظيم الفاسق فتدبر، وكذا الظاهر أنه لا فرق في أمر الدعوة بين كون المدعو ذكرًا وكونه أنثى لكن لم نقف على وقوع النبني لإناث في الجاهلية والله تعالى أعلم {وَكَانَ الله غَفُورًا} فيغفر للعامد إذا تاب {رَّحِيمًا} ولذا رفع سبحانه الجناح عن المخطىء، ويعلم من الآية أنه لا يجوز انتساب الشخص إلى غير أبيه، وعد ذلك بعضهم من الكبائر لما أخرج الشيخان.
وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام».
وأخرج الشيخان أيضًا «من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله تعالى والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه صرفًا ولا عدلًا» وأخرجا أيضًا «ليس منم رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر».
وأخرج الطبراني في الصغير من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه حسن قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر من تبرأ من نسب وأن دق أو ادعى نسبًا لا يعرف» إلى غير ذلك من الأخبار، هذ ومناسبة قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ الله} [الأحزاب: 4] إلخ لما قبله أنه شروع في ذلك شيء من الوحي الذي أمر صلى الله عليه وسلم في اتباعه كذا قيل، وقيل: إنه تعالى لما أمر بالتقوى كان من حقها أن لا يكون في القلب تقوى غير الله تعالى فإن المرء ليس له قلبان يتقي بأحدهما الله تعالى وبالآخر غيره سبحانه إلا بصرف القلب عن جهة الله تعالى إلى غيره جل وعلا ولا يليق ذلك ن يتقي الله تعالى حق تقاته، وعن أبي مسلم أنه متصل بقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1] حيث جيء به للرد عليهم، والمعنى ليس لأحد قلبان يؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر وإنما هو قلب واحد فأما أن يؤمن وإما أن يكفر، وقيل هو متصل بلا تطع وابتع والمعنى أنه لا يمكن الجمع بين اتباعين متضادين اتباع الوحي والقرآن واتباع أهل الكفر والطغيان فكنى عن ذلك بذكر القلبين لأن الاتباع يصدر عن الاعتقاد وهو من أفعال القلوب فكما لا يجمع قلبنان في جوف واحد لا يجمع اعتقادان متضادان في قلب واحد، وقيل: هو متصل بقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وكفى بالله وَكِيلًا} [الأحزاب: 3] من حيث أنه مشعر بوحدته عز وجل فكأنه قيل: وتوكل على الله وكفى به تعالى وكيلًا فإنه سبحانه وتعالى وحده المدبر لأمور العالم، ثم أشار سبحاه وتعالى إلى أن أمر الرجل الواحد لا ينتظم ومعه قلبان فكيف تنتظم أمور العالم وله إلهان، وقيل: إن ذاك مسوق للتنفير عن إطاعة الكفرة والمنافقين بحكاية أباطيلهم، وذكر أن قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ} إلخ ضرب مثلًا للظهار والتبني أي كما لا يكو لرجل قلبان لا تكون المظاهرة أما والمتبني ابنًا، وجعل المذكورات الثلاث بجملتها مثلًا فيما لا حقيقة له وارتضى ذلك غير واحد، وقال الطيبي: إن هذا أنسب لنظم القرآن لأنه تعالى نسق المنفيات الثلاث عن ترتيب واحد، وجعل سبحانه قوله جل وعلا: {ذلكم} فذلكة لها ثم حكم تعالى بأن ذلك قول لا حقيقة له، ثم ذيل سبحانه وتعالى الكل بقوله تعالى: {والله يَقُولُ الحق وَهُوَ يَهْدِى السبيل} [الأحزاب: 4] وتعقبه في الكشف بأن سبب النزول وقوله سبحانه بعد التذييل {ادعوهم لاِبَائِهِمْ} الآية شاهدا صدق بأن الأول مضروب للتبني ثم إنهم ما كانوا يجعلون الأزواج أمهات بل كانوا يجعلون اللفظ طلاقًا فإدخاله في قرن مسألة التبني استطرادًا هو الوجه لا أنه قول لا حقيقة له كالأول.
وانتصر الخفاجي للجماعة فقال: لو كان مثلًا للتبني فقط لم يفصل منه، وكون القلبين لرجل وجعل المتبني ابنًا في جميع الأحكام مما لا حقيقة له في نفس الأمر ولا في شرع ظاهر، وكذا جعل الأزواج كالأمهات في الحرمة المؤبدة مطلقًا من مخترعاتهم التي لم يستندوا فيها إلى مستند شرعي فلا حقيقة له أيضًا فما ادعاه غير وارد عليهم لا سيما مع مخالفته لما روى عنهم انتهى، ويد الله تعالى مع الجماعة، وبين الطيبي نظم الآيات من مفتتح السورة إلى هنا فقال: إن الاستهلال بقوله تعالى: {ياأيها النبى اتق الله} [الأحزاب: 1] دال على أن الخطاب مشتمل على التبنية على أمر معتنى بشأنه لائح فيه معنى التعييج والإلهاب، ومن ثم عطف عليه {وَلاَ تُطِعِ} كما يعطف الخاص على العام وأردف النهي بالأمر على نحو قولك لا تطع من يخذلك وابتع ناصرك، ولا يبعد أن يسمى بالطرد والعكس، ثم أمر بالتوكل تشجيعًا على مخالفة أعداء الدين والالتجاء إلى حريم جلال الله تعالى ليكفيه شرورهم، ثم عقب سبحانه كلا من تلك الأوامر على سبيل التتميم والتذييل بما يطابقه، وعلل قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} بقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب: 1] تتميمًا للارتداع أي اتق الله فيما تأتي وتذر في سرك وعلانيتك لأنه تعالى عليم بالأحوال كلها يجب أن يحذر من سخطه حكيم لا يحب متابعة حبيبه أعداءه، وعلل قوله تعالى: {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبّكَ} [الأحزاب: 2] بقوله تعالى: {إِنَّ الله كَانَ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الأحزاب: 2] تتميمًا أيضًا أي اتبع الحق ولا تتبع أهواءهم الباطلة وآراءهم الرائغة لأن الله تعالى يعلم عملك وعملهم فيكافىء كلامًا يستحقه، وذيل سبحانه وتعالى قوله تبارك وتعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} بقوله تعالى: {وكفى بالله وَكِيلًا} [الأحزاب: 3] تقريرًا وتوكيدًا على منوال فلان ينطق والحق أبلج يعني من حق من يكون كافيًا لكل الأمور أن تفوض الأمور إليه وتوكل عليه، وفصل قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] على سبيل الاستئناف تنبيهًا على بعض من أباطيلهم وتمحلاتهم، وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُم} إلخ فذلكة لتلك الأقوال آذنت بأنها جديرة بأن يحكم عليها بالبطلان وحقيق بأن يذم قائلها فضلًا عن أن يطاع، ثم وصل تعالى: {والله يَقُولُ الحق} [الأحزاب: 4] إلخ على هذه الفذلكة بجامع التضاد على منوال ما سبق في {وَلاَ تُطِعِ} وفضل قوله تعالى: {السبيل ادعوهم لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} وقوله تعالى: {النبى} إلخ وهلم جرا إلى آخر السورة تفصيلًا لقول الحق والاهتداء إلى السبيل القويم انتهى فتأمل ولا تغفل.


{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)}
{النبى أولى بالمؤمنين} أي أحق وأقرب إليهم {مّنْ أَنفُسِهِمْ} أو أشد ولاية ونصرة لهم منها فإنه عليه الصلاة والسلام لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فإنها أما أمارة بالسوء وحالها ظاهرًا أولًا فقد تجعل بعض المصالح وتخفى عليها بعض المنافع وأطلقت الأولوية ليفيد الكلام أولويته عليه الصلاة والسلام في جميع الأمور ويعلم من كونه صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من كل من الناس، وقد أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن ترك مالًا فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك دينًا أو ضياعًا فليأتني فأنا مولاه» ولا يلزم عليه كون الأنفس هنا مثلها في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] لأن إفادة الآية المدعى على الظاهر ظاهرة أيضًا، وإذا كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة في حق المؤمنين يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمه عليه الصلاة والسلام عليهم أنفذ من حكمها وحقه آثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وسبب نزول الآية على ما قيل ما روى من أنه عليه الصلاة والسلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال أناس منهم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت، ووجه دلالتها على السبب أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان أولى من أنفسهم فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى ولا حاجة إلى حمل أنفسهم عليه على خلاف المعنى المتبادر كما أشرنا إليه آنفًا {وأزواجه أمهاتهم} أي منزلات منزلة أمهاتهم في تحريم النكاح واستحقاق التعظيم وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن وإرثهن ونحو ذلك فهن كالأجنبيات، وفرع على هذ القسطلاني في المواهب أنه لا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين في الأصح، والطبرسي وهو شيعي أنه لا يقال لإخوانهن أخوال المؤمنين، ولا يخفى أنه يسر حسوا بارتغاء، وفي «المواهب» أن في جواز النظر إليهن وجهين أشهرهما المنع، ولكون وجه الشبه مجموع ما ذكر قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لامرأة قالت لها يا أمه: أنا أم رجالكم لا أم نسائكم أخرجه ابن سعد. وابن المنذر. والبيهقي في سننه عنها، ولا ينافي هذا استحقاق التعظيم منهن أيضًا.
وأخرج ابن سعد عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت أنا أم الرجال منكم والنساء وعليه يكون ما ذكر وجه الشبه بالنسبة إلى الرجال وأما بالنسبة إلى النساء فهو استحقاق التعظيم، والظاهر أن المراد من أزواجه كل من أطلق عليها أنها زوجة له صلى الله عليه وسلم من طلقها ومن لم يطلقها، وروى ذلك ابن أبي حاتم عن مقاتل فيثبت الحكم لكلهن وهو الذي نص عليه الإمام الشافعي وصححه في الروضة، وقيل: لا يثبت الحكم لمن فارقها عليه الصلاة والسلام في الحياة كالمستعيذة والتي رأى بكشحها بياضًا، وصحح أمام الحرمين.
والرافعي في الصغير تحريم المدول بها فقط لما روى أن الأشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فهم عمر برجمه فأخبره أنها لم تكن مدخولًا بها فكف، وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه هم برجمها فقالت له: ولم هذا؟ وما ضرب على حجاب ولا سميت للمسلمين أما فكف عنها، وذكر في «المواهب» أن في حل من اختارت منهن الدنيا للأزواج طريقين. أحدهما: طرد الخلاف والثاني: القطع بالحل، واختار هذا الإمام والغزالي، وحكى القول بأن المطلقة لا يثبت لها هذا الحكم عن الشيعة، وقد رأيت في بعض كتبهم نفي الأمومة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فوض إلى علي كرم الله تعالى وجهه أن يبقى من يشاء من أزواجه ويطلق من يشاء منهن بعد وفاته وكالة عنه عليه الصلاة والسلام وقد طلق رضي الله تعالى عنه عائشة يوم الجمل فخرجت عن الأزواج ولم يبق لها حكمهن وبعد أن كتبت هذا اتفق لي أن نظرت في كتاب ألف سليمان بن عبد الله البحراتي عليه من الله تعالى ما يستحق في مثالب جمع من الصحابة حاشى رضي الله تعالى عنهم فرأيت ما نصه:
روى أبو منصور أحد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن سعد بن عبد الله أنه سأل القائم المنتظر وهو طفل في حياة أبيه فقال له يا مولانا وابن مولانا روى لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه حتى أنه بعث في يوم الجمل رسولًا إلى عائشة وقال: إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الذي حصل منك وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة فإن امتنعت وإلا طلقتك فأخبرنا يا مولانا عن معنى الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين فقال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم فخصهن بشرف الأمهات فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق ما دمنا على طاعة الله تعالى فأيتهن عصت الله تعالى بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج وأسقطها من شرف أمهات المؤمنين، ثم قال: وروى الطبرسي أيضًا في «الاحتجاج» عن الباقر أنه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال علي كرم الله تعالى وجهه: والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله تعالى رجلًا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي لما قام فشهد فقام ثلاثة عشر رجلًا فشهدوا بذلك الحديث، ورأيت في بعض الأخبار التي لا تحضرني الآن ما هو صريح في وقوع الطلاق اه ما قاله البحراني عامله الله تعالى بعده.
وهذا لعمري من السفاهة والوقاحة والجسارة على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كان وبطلانه أظهر من أن يخفى وركاكة ألفاظه تنادي على كذبه بأعلى صوت ولا أظنه قولًا مرضيًا عند من له أدنى عقل منهم فلعن الله تعالى من اختلقه وكذا من يعتقده، وأخرج الفريابي. والحاكم. وابن مردويه. والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ *مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأزواجه أمهاتهم} وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قال: كان في الحرف الأول {النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وفي مصحف أبي رضي الله تعالى عنه كما روى عبد الرزاق. وابن المنذر. وغيرهما {النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأزواجه أمهاتهم} وإطلاق الأب عليه صلى الله عليه وسلم لأنه سبب للحياة الأبدية كما أن الأب سبب للحياة أيضًا بل هو عليه الصلاة والسلام أحق بالأبوة منه وعن مجاهد كل نبي أب لأمته، ومن هنا قيل في قول لوط {هؤلاء بناتي} [هود: 78] أنه أراد المؤمنات ووجه ما ذكر، ويلزم من هذه الأبوة على ماقيل إخوة المؤمنين.
ويعمل مما روى عن مجاهد أن الأبوة ليست من خصوصياته عليه الصلاة والسلام وهذا ليس كأمومة أزواجه فإنها على ما في «المواهب» من الخصوصيات فلا يحرم نكاح أزواج من عداه صلى الله عليه وسلم من الأنبياء عليهم السلام من بعدهم على أحد من أممهم {وَأُوْلُواْ الارحام} أي ذوو القرابات الشاملون للعصبات لا ما يقابلهم {بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} في النفع يراث وغيره من النفع المالي أو في التوارث ويؤيده سبب النزول الآتي ذكره {فِى كتاب الله} أي فيما كتبه في اللوح أو فيما أنزله وهي آية المواريث أو هذه الآية أو فيما كتبه سبحانه وفرضه وقضاه {مِنَ المؤمنين والمهاجرين} صلة لأولى فمدخول {مِنْ} هو المفضل عليه وهي ابتدائية مثلها في قولك: زيد أفضل من عمرو أي أولو الأرحام بحق القرابة أولى في كل نفع أو بالميراث من المؤمنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة، وقال الزمخشري: يجوز أن يكون بيانًا لأولو الأرحام أي الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضًا من الأجانب، والأول هو الظاهر؛ وكان في المدينة توارث بالهجرة وبالموالاة في الدين فنسخ ذلك بآية آخر الأنفال أو بهذه الآية، وقيل: بالإجماع وأرادوا كشفه عن الناسخ وإلا فهو لا يكون ناسخًا كما لا يخفى، ورفع {بَعْضُهُمْ} يجوز أن يكون على البدلية وأن يكون على الابتداء و{فِى كتاب} متعلق بأولى ويجوز أن يكون حالًا والعامل فيه معنى {أُوْلِى} ولا يجوز على ما قال أبو البقاء أن يكون حالًا من {أُوْلُو} للفصل بالخبر ولأنه لا عامل إذًا، وقوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إلى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفًا} إما استثناء متصل من أعم ما تقدر الأولوية فيه من النفع كأنه قيل: القريب أولى من الأجنبي من المؤمنين والمهاجرين في كل نفسع من ميراث وصدقة وهدية ونحو ذلك إلا في الوصية فإنها المرادة بالمعروف فالأجنبي أحق بها من القريب الوارث فإنها لا تصح لوارث، وإما استثناء منقطع بناءً على أن المراد بما فيه الأولوية هو التوارث فيكون الاستثناء من خلاف الجنس المدلول عليه بفحوى الكلام كأنه قيل: لا تورثوا غير أولي الأرحام لكن فعلكم إلى أوليائكم من المؤمنين والمهاجرين الأجانب معروفًا وهو أن توصوا لمن أحببتم منهم بشيء جائز فيكون ذلك له بالوصية لا بالميراث، ويجوز أن يكون المعروف عامًا لما عدا الميراث، والمتبادر إلى الذهن انقطاع الاستثناء واقتصر عليه أبو البقاء.
ومكي. وكذا الطبرسي وجعل المصدر مبتدأ محذوف الخبر كما أشرنا إليه.
وتفسير الأولياء ن كان من المؤمنين والمهاجرين هو الذي يقتضيه السياق فهو من وضع الظاهر موضع الضمير بناءً على أن {مِنْ} فيما تقدم للابتداء لا للبيان، وأخرج ابن جرير. وغيره عن مجاهد تفسيره بالذين والى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، وأخرج ابن المنذر. وابن جرير. وابن أبي حاتم. عن محمد بن الحنفية أنه قال: نزلت هذه الآية في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني، وأخرجوا عن قتادة أنه قال: الأولياء القرابة من أهل الشرك والمعروف الوصية؛ وحكي في البحر عن جماعة منهم الحسن. وعطاء أن الأولياء يشمل القريب والأجنبي المؤمن والكافر وأن المعروف أعم من الوصية. وقد أجازها للكافر القريب وكذا الأجنبي جماعة من الفقهاء والإمامية يجوزونها لبعض ذوي القرابة الكفار وهم الوالدان والولد لا غير، والنهي عن اتخاذ الكفار أولياء لا يقتضي النهي عن الإحسان إليهم والبر لهم. وعدى {تَفْعَلُواْ} بإلى لتضمنه معنى الإيصال والإسداء كأنه قيل: إلا أن تفعلوا مسدين إلى أوليائكم معروفًا {كَانَ ذَلِكَ} أي ما ذكر في الآيتين أعني {ادعوهم لاِبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] و{النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وجوز أن يكون إشارة إلى ما سبق من أول السورة إلى هنا أو إلى ما بعد قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ} [الأحزاب: 4] أو إلى ما ذكر في الآية الأخيرة وفيه بحث {فِى الكتاب} أي في اللوح أو القرآن وقيل في التوراة {مَسْطُورًا} أي مثبتًا بالإسطار وعن قتادة أنه قال في بعض القراءات: كان ذلك عند الله مكتوبًا أن لا يرث المشرك المؤمن فلا تغفل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8